يسألونك عن الإقناع
د. علي الحمادي
إن غموض المصطلحات سبب رئيس لعدم التفاعل مع مضامينها، كما أن الوضوح سبب رئيس للفهم الصحيح والإيمان العميق والعمل المتواصل بإذن الله تعالى.
الاقتناع :
* هو الرضا بالشيء والقبول به.
* الإقناع (لغة):
* قَـنَــعَ : أي مـال.(المعجم الوسيـط)
* قنعت الإبل والغنم : أي مالت لمأواها وأقبلت نحو أصحابها.
* قنع ( بفتح النون أو بكسـرها): أي رضي بما أُعطي.
* اقتنع بالفكرة أو بالرأي: أي قَبِلَهُ واطمأن إليه.
* قَنَعَ إلى فلان: أي خضع لـه وانقطع إليه.
* قنَّـــعــه: أي رضَّـــــاه.
* الإقناع الذي نريد:
* هو محاولة التأثير على الآخرين لقبول فكرة (أو منتج أو خدمة) معينة والاطمئنان إليها والرضى بها.
*أنواع الإقناع
للإقناع أنواع كثيرة وأنماط عديدة، ولكن يمكن القول: إن هناك ثلاثة أنواع رئيسة، وهي:
1- الإقناع النـزالي: وهو إقناع شرس، فيه طرف قوي متسلِّط وطرف ضعيف متسلَّط عليه، أو فيه طرفان كل واحد منهما يريد أن ينتصر على الآخر ويهزمه، وكأنه في معركة إما هو قاتلٌ فيها أو مقتول !!
2- الإقناع المشترك: وهو إقناع متبادل بين الطرفين، حيث كل طرف يريد إقناع الآخر للوصول إلى نتيجة مرضية للطرفين ومحققة لمصلحتهما.
3- الإقناع الشمولي: وهو إقناع فيه رُقي ونظرة شمولية، حيث يتم فيه استخدام العديد من الأساليب والفنون، وهدفه أيضاً تحقيق مصلحة للطرفين.
أولاً - الإقناع النزالي :
ويقصد به الإقناع الذي يحدث بين طرفين يشعر أحدهما أنه ينبغي أن يسيطر على الموقف، ويفرض نفسه على الآخر ويجعله يغيِّر اتجاهاته وآراءه وسلوكه .
هذا النوع من الإقناع لا يعتمد على المنطق أو العقل، وإنما المجال مفتوح على مصراعيه للمشاعر والأحاسيس والانفعالات، وغيرها من الأمور العاطفية.
كما أن المنهج المستخدم في هذا النوع من الإقناع غير لائق، إذ إنه يعتمد على التخويف والتهديد أو على شراء الذمم.
إن هذه الأساليب غير المشروعة (أو حتى المشروعة منها) تؤدي في كثير من الأحيان إلى حرمان الطرف، الذي تغيرت أهدافه من استخدام حقه في التعبير عن رأيه أو في شرح وجهة نظره أو في الدفاع عن موقفه، وذلك بسبب سيطرة الطرف الأول على الموقف.
ومن الأمثلة على هذا النوع من الإقناع، هو ذلك الذي يتم في المؤسسات الكبرى بين الإدارة العليا (من الرؤساء والمديرين الذين يتربعون على قمة الهرم) وبين صغار الموظفين، حيث يكون هذا الإقناع (في الغالب) إقناعاً نزالياً، ذلك لأنه يتم بين من لديه القوة والقدرة على اتخاذ القرار وبين من لا يملك ذلك، رغم أنهما قد يتساويان في القدرة على الإقناع.
ومن الأمثلة الأخرى على ذلك تلك العمليات الإقناعية، التي تتم مع أسرى الحرب أو مع المسجونين سياسياً أو أمنياً، وهي المسماة بعمليات غسيل الدماغ (أو الاغتصاب الفكري)، وتسعى إلى محو معتقدات الأسير السابقة وأفكاره الأولى، فهذه العمليات الإقناعية تستخدم فيها شتى الأساليب من عقاب وثواب (شراء الذمم) بنوعيه الجسدي والنفسي، لذا فهي إقناع نزالي.
ثانيًا - الإقناع المشترك :
هذا النوع من الإقناع يحدث للطرفين معاً، فهو إقناع متبادل بينهما، ونتيجته لهما معاً، وحتى تتضح الصورة أكثر يرجى التأمل في الأمثلة التالية، التي تشرح هذا النوع من الإقناع.
إن محاولة الإقناع التي تحصل في الاجتماعات التي تعقد بين أقسام المؤسسة الواحدة، في غالبها هي إقناع مشترك، ذلك لأن أعضاء كل قسم من أقسامها يسعى إلى تحقيق هدف مشترك، ومصلحة مشتركة، ويتمتعون بثقافة مشتركة، ويملكون ولاءً مشتركاً لمؤسستهم، وسوف يصلون إلى قرار مشترك، يعبر عن إرادة جميع الأعضاء في المؤسسة، فالقرار مشترك وهو ما يسمى بالإقناع المشترك.
ومن الأمثلة الأخرى على ذلك ما يحدث بين العلماء، حينما يتناقشون في مسألة دينية لإصدار فتوى معينة، فهم يسعون إلى مصلحة واحدة، لإصدار رأي واحد، يُنسَب إلى المجموعة، ويمثل رأيها، وهذا إقناع مشترك.
ولعلَّ ما يحدث بين الأطباء حينما يطرحون مرئياتهم حول قضية طبية معينة، هو أيضاً إقناع مشترك، ذلك لأنهم يسعون إلى مصلحة واحدة، يستفيد منها الجميع، وتخرج باسم الجميع.
وللإقناع المشترك ثلاثة شروط رئيسة، ينبغي الانتباه لها والعمل على تحقيقها، وهي :
1- أن ينطلق الاثنان من قاعدة واحدة وقيم مشتركة، معتمدين على العقل والمنطق، من أجل أن يكون اقتناعهما قائماً على أسس مجردة .
2- من الضروري ألا يسيطر أحدهما على الموقف باستخدام أساليبه الإقناعية التعبيرية، أو بوسائل الاتصال التي يجيدها، لأنه من المفروض أن تكون تلك الأساليب مهيأة للطرفين ومتوفرة لهما.
3- أن يشعر الطرفان بحاجتهما إلى بعضهما، وبضرورة تلاقيهما واقتناعهما معاً، من دون أن يستخدم أحدهما الأسلوب القهري، أو فرض الآراء والأفكار؛ من أجل أن يحوز على اقتناع صاحبه.
ثالثًا - الإقناع الشمولي :
وهو النوع الذي يقوم على النظرة الشمولية للعملية الإقناعية، بحيث يكون الإقناع من خلال استخدام العديد من الأساليب والفنون.
فقد يتم الإقناع من خلال غرس القيم، أو من خلال التركيز على العاطفة، أو من خلال المنطق والعقل، أو من خلال الحزم، وقد يتم من خلال المجموعة، أو من خلال التفكير الفردي الذاتي، أو من خلالها جميعاً، أو من خلال غيرها.
إنه ليس صحيحاً أن الناس لا تتغير قناعاتهم، إلاَّ إذا فُرِضَ عليهم التغيير، بل تتغير قناعاتهم عندما تكون فكرة التغيير قد نضجت وتبلورت لديهم بحيث يشعرون أن التغيير، الذي حدث لهم ما هو إلا نتيجة لتجاربهم الخاصة .
ومن الأمور التي يحسن الانتباه لها، أن قناعات الناس قد تتغير من خلال المناقشات الجماعية التي توقظ ضمائرهم (بعد تعرضهم لنقد أو توجيه)وفي المقابل قد يكون التغيير في كثير من الأحيان قراراًً ذاتياً فردياَ لا تعرف يقيناً سببه ومصدره.
كما أنه إذا صحت مقولة، أن القوة تؤدي إلى التغيير فقد تصح أيضاً مقولة، أن القوة تضل الطريق إلى هدفها إذا لم تقم على أساس من القيم والمبادئ، لذا فإن التوازن بين القوة والقيم أمر ضروري ومطلوب لإقناع الناس. (المرجع: عبد الله العوشن، كيف تقنع الآخرين، دار العاصمة، الرياض، 1996، ص 41-45 (بتصرف)
إن من الأمور التي نود تأكيدها وتعميقها ونقشها في العقول والقلوب، أن كل إنسان بإمكانه(بعد توفيق الله تعالى وإعانته) أن يمتلك مهارة الإقناع، لو أنه قرر أن يمتلكها، ثم تعلم طرقها وأساليبها، ثم قام بممارستها وتطبيقها.
لذا، احذر أن تُصاب بعقدة النقص، أو أن تعتقد أنك لا تستطيع اكتساب هذه المهارة، أو أن تظن أن غيرك أقدر منك على التمكن منها، فإنه ليس هناك من هو أفضل منك، إذا توكلت على الله تعالى واجتهدت للوصول إلى الهدف السامي المرجو.
والآن، استعن بالله تعالى، واحزم مع نفسك، واعزم على المضي في طريق هذه المهارة، حتى تتمكن منها وتكون بإذن الله تعالى من أفضل المحاورين والمقنعين، ليس على المستوى الضيق الذي تعيش فيه، وإنما على مستوى الأمة العربية والإسلامية، بل وعلى مستوى العالم بأسره، وما ذلك على الله بعزيز.
0 comments:
إرسال تعليق